فصل: ومن باب الولي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب في التحليل:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حَدَّثنا زهير قال: حدثني إسماعيل عن عامر عن الحارث عن علي قال إسماعيل وأراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن المحلل والمحلل له».
قال الشيخ أما إذا كان ذلك عن شرط بينهما فالنكاح فاسد لأنه عقد تناهى إلى مدة كنكاح المتعة، وإذا لم يكن ذلك شرطًا وكان نية وعقيدة فهو مكروه، فإن أصابها الزوج ثم طلقها وانقضت العدة فقد حلت للزوج الأول وقد كره غير واحد من العلماء أن يضمرا أو ينويا أو أحدهما التحليل وإن لم يشترطاه.
وقال إبراهيم النخعي لا يحللها لزوجها الأول إلاّ أن يكون نكاح رغبة فإن كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الثاني أو المرأة أنه محلل فالنكاح باطل ولا تحل للأول.
وقال سفيان الثوري إذا تزوجها وهو يريد أن يحلها لزوجها ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلاّ أن يفارقها ويستأنف نكاحًا جديدًا، وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال مالك بن أنس يفرق بينهما على كل حال.

.ومن باب نكاح العبد بغير إذن سيده:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع، قال: حَدَّثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر».
قال الشيخ العاهر الزاني والعهر الزنا، وإنما بطل نكاح العبد من أجل أن رقبته ومنفعته مملوكتان لسيده وهو إذا اشتغل بحق الزوجة لم يتفرغ لخدمة سيده وكان في ذلك ذهاب حقه فأبطل النكاح إبقاء لمنفعته على صاحبه، وممن أبطل عقد هذا النكاح الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال مالك وأصحاب الرأي إن أجازه السيد جاز وإن أبطله بطل، وعند الشافعي لا يثبت النكاح وإن أجازه السيد لأن عقد النكاح لا يقع عنده موقوفًا على إجازة الولي.

.ومن باب الرجل يخطب على خطبة أخيه:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه».
قال الشيخ نهيه عن ذلك نهي تأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد، وهو قول أكثر العلماء، إلاّ أن مالك بن أنس قال إن خطبها على خطبة أخيه فملكها فرق بينهما إلاّ أن يكون قد دخل بها فلا يفرق بينهما.
وقال داود إن خطبها رجل بعد الأول وعقد عليها فالنكاح باطل.
وفي قوله: «على خطبة أخيه» دليل على أن ذلك إنما نهي عنه إذا كان الخاطب الأول مسلمًا ولا يضيق ذلك إذا كان الخاطب الأول يهوديًا أو نصرانيًا لقطع الله الأخوة بين المسلمين وبين الكفار.
وقال الشافعي إنما نهي عن ذلك في حال دون حال وهو أن تأذن المخطوبة في إنكاح رجل بعينه فلا يحل لأحد أن يخطبها في تلك الحالة حتى يأذن الخاطب له واحتج بحديث فاطمة بنت قيس. حدثناه الأصم حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عَن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في عدتها من طلاق زوجها إذا حللت فآذنيني، قالت فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه على عاتقه أنكحي أسامة، قالت ففعلت فاغتبطت به».
قال الشيخ فخطبته إياها لأسامة على خطبة معاوية وأبي جهم تدل على جواز ذلك إن لم يكن وقع الركون منها إلى الخاطب الأول أو الإذن منها فيه.
وفي هذا الحديث أنواع من الفقه منها جواز التعريض للمرأة بالخطبة في عدتها وفيه أن المال معتبر في بعض أنواع المكافأة. وفيه دليل على جواز نكاح المولى القرشية. وفيه دليل على جواز تأديب الرجل امرأته.
وفيه دليل على أن المستشار إذا ذكر الخاطب عند المخطوبة ببعض ما فيه من العيوب على وجه النصيحة لها والإرشاد إلى ما فيه حظها لم يكن ذلك غيبة يأثم فيها.
وقوله: «لا يضع عصاه عن عاتقه» يتأول على وجهين أحدهما التأديب والضرب لها والآخر أن يكون معناه الأسفار والظعن عن وطنه، يقال رفع الرجل عصاه إذا سار ووضع عصاه إذا نزل وأقام.

.ومن باب الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد أن يتزوجها:

قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حَدَّثنا محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن واقد بن عبد الرحمن، يَعني ابن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل».
قال الشيخ إنما أبيح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط ولا ينظر إليها حاسرًا ولا يطلع على شيء من عورتها وسواء كانت أذنت له في ذلك أو لم تأذن وإلى هذه الجملة ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل، وإلى نحو هذا أشار سفيان الثوري.

.ومن باب الولي:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان، قال: حَدَّثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له».
قوله: «أيما امرأة» كلمة استيفاء واستيعاب، وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن ويدخل فيها البكر والثيب والشريفة والوضيعة والمولى هاهنا العصبة.
وفيه بيان أن المرأة لا تكون ولية نفسها وفيه دليل على أن ابنها ليس من أوليائها إذا لم يكن عصبة لها.
وفيه بيان أن العقد إذا وقع لا بإذن الأولياء كان باطلًا، وإذا وقع باطلًا لم يصححه إجازة الأولياء، وفي إبطال هذا النكاح وتكراره القول ثلاثًا تأكيد لفسخه ورفعه من أصله، وفيه إبطال الخيار في النكاح.
وفيه دليل على أن وطء الشبهة يوجب المهر وإيجاب المهر إيجاب درء الحدود وإثبات النسب ونشر الحرمة.
وفي قوله: «فالمهر لها بما أصاب منها» دليل على أن المهر إنما يجب بالإصابة فإن الدخول إنما هو كناية عنها.
وقوله: «فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»، يريد به تشاجر العضل والممانعة في العقد دون تشاجر المشاحة في السبق إلى العقد، فأما إذا تشاجروا في العقد ومراتبهم في الولاية سواء فالعقد لمن سبق إليه منهم إذا كان ما فعل من ذلك نظرًا لها.
ومعنى قوله: «بغير إذن مواليها» هو أن يلي العقد الولي أو يوكل بتزويجها غيره فيأذن له في العقد عليها.
وزعم أبو ثور أن الولي إذا أذن للمرأة في أن تعقد على نفسها صح عقدها النكاح على نفسها، واستدل بهذه اللفظة في الحديث، ومعناه التوكيل بدليل ما روي أن النساء لا تلين عقد النكاح.
وقد تكلم بعض أهل العلم في إسناد هذا الحديث وضعفه بشيء حدثنيه الحسن بن يحيى بن حمويه عن علي بن عبد العزيز، عَن أبي عبيد، قال: حَدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى، وذكر الحديث قال وزاد في آخره شيئا ما أرى أحدًا يذكره غيره.
قال ابن جريج ثم لقيت الزهري فذكرت ذلك له فلم يعرفه.
قال الشيخ ذكر أبو عيسى الترمذي عن يحيى بن معين أنه قال لم يذكر هذا الحديث عن ابن جريج إلاّ إسماعيل بن علية، قال يحيى وسماع إسماعيل من ابن جريج ليس بذلك إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد فيما سمع من ابن جريج وضعف يحيى رواية إسماعيل عن ابن جريج.
قال أبو عيسى وحديث عائشة رضي الله عنها هذا عندي حديث حسن صحيح وقد رواه الحجاج بن أرطاة وجعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة ورواه هشام بن عروة أيضًا.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن قدامة بن أعين، قال: حَدَّثنا أبو عبيدة الحداد عن يونس وإسرائيل، عَن أبي إسحاق، عَن أبي بردة، عَن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلاّ بولي».
قال الشيخ قوله: «لا نكاح إلاّ بولي» فيه نفي ثبوت النكاح على معمومه ومخصوصه إلاّ بولي.
وقد تأوله بعضهم على نفي الفضيلة والكمال وهذا تأويل فاسد لأن العموم يأتي على أصله جوازًا أو كمالًا، والنفي في المعاملات يوجب الفساد لأنه ليس لها إلاّ جهة واحدة، وليس كالعبادات والقرب التي لها جهتان من جواز ناقص وكامل، وكذلك تأويل من زعم أنها ولية نفسها. وتأول معنى الحديث على أنها إذا عقدت على نفسها فقد حصل نكاحها بولي، وذلك أن الولي هو الذي يلي على غيره، ولو جاز هذا في الولاية لجاز مثله في الشهادة فتكون هي الشاهدة على نفسها فلما كان في الشاهد فاسدًا كان في الولي مثله.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قال: حَدَّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن «أم حبيبة أنها كانت عند ابن جحش فهلك عنها، وكان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عندهم».
قال الشيخ إنما ساق النجاشي المهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأضيف التزويج إليه وكان الذي عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ووكله بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث به إلى الحبشة في ذلك، وقد روي أن الذي ولي تزويجها بالعقد عليها خالد بن سعيد بن العاص وهو ابن عم أبي سفيان إذ كان أبوها أبو سفيان كافرًا لا ولاية له على مسلمة.
وقد يحتمل أيضًا أن يكون النجاشي قد عقد أولًا فكان ذلك بمعنى التسمية فلم يعتبر صحته ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فاستأنف العقد وألزمه والله أعلم.

.ومن باب في العضل:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني أبو عامر عبد الملك بن عمرو، قال: حَدَّثنا عباد بن راشد عن الحسن قال: حدثني معقل بن يسار، قال: «كانت لي أخت تخطب إليّ فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها فقلت والله لا أنكحها أبدًا، قال ففيّ نزلت هذه الآية: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232] الآية قال فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه».
قال الشيخ هذا أدل آية في كتاب الله تعالى على أن النكاح لا يصح إلاّ بعقد ولي ولو كان لها سبيل إلى أن تنكح نفسها لم يكن للعضل معنى ولا كان المنع يتحقق من جهة الولي. ولو كان عقد المرأة على نفسها يصح إذا تزوجها كفء لم يتعذر عليها أن تفعل ذلك، وقد كان الذي خطبها إنما هو ابن عمها المكافئ لها في النسب المتقدم لها في الصحبة فدل ما قلناه على صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم.
وقد اختلف الناس في عقد النكاح بغير ولي، فقال بظاهر الحديث جماعة منهم سفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد، وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وبه قال ابن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وقتادة.
وفرق مالك بن أنس بين المرأة الشريفة والدنيئة فقال لا بأس أن تستخلف المرأة الدنيئة على نفسها من يزوجها، فأما على امرأة لها قدر وغنى فإن تلك لا ينبغي أن يزوجها إلاّ الأولياء أو السلطان.
وقال أبو حنيفة إذا زوجت المرأة نفسها بشاهدين من كفوٍ فهو جائز.
وقال يعقوب ومحمد النكاح موقوف حتى يجيزه الولي والحاكم.

.ومن باب إذا نكح الوليان:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما».
قال الشيخ اتفق أهل العلم على هذا ما لم يقع الدخول من الثاني بها فإن وقع الدخول بها فإن مالكًا زعم أنه لا يفرق بينهما، وكذلك روي عن عطاء، وهذا إذا كان قد علم نكاح المتقدم منهما من المتأخر فإن زوجاها معًا هذا من زيد وهذا من عمرو ولا يعلم أيهما المتقدم فالنكاح مفسوخ في قول أكثر الفقهاء.
وزعم بعضهم أنه يفرق بينهما ويقال لهما طلقاها جميعًا حتى تبين ممن كانت زوجة له، وهو قول أبي ثور.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء: 19] وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابة فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فاحكم الله عن ذلك أو نهى عن ذلك.
قال الشيخ قوله أحكم الله معناه منع، قال جرير بن الخَطَفي:
ابني حنيفة أحكموا سفهاءكم ** إني أخاف عليكم أن أغضبا

.ومن باب الاستئمار:

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان، قال: حدثني يحيى، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلاّ بإذنها، قالوا يا رسول الله وما إذنها قال: أن تسكت».
قال ظاهر الحديث يدل على أن البكر إذا أنكحت قبل أن تستأذن فتصمت أن النكاح باطل كما يبطل نكاح الثيب قبل أن تستأمر فتأذن بالقول، وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وهو قول أصحاب الرأي.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إنكاح الأب البكر البالغ جائز وإن لم تستأذن، ومعنى استئذانها عندهم إنما هو على استطابة النفس دون الوجوب كما جاء الحديث باستئمار أمهاتهن وليس ذلك بشرط في صحة العقد.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد (ح) وحدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع المعنى قال: حدثني محمد بن عمرو، قال: حَدَّثنا أبو سلمة، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها».
قال الشيخ فيه دليل على أن الصغيرة لا يزوجها غير الأب وذلك لأنها لا تستأمر إلاّ بعد البلوغ إذ لا معنى لإذنها ولا عبرة لإبائها قبل ذلك فثبت أنها لا تزوج حتى تبلغ الوقت الذي يصح منها الإذن أو الامتناع، واليتيمة هاهنا هي البكر البالغ التي مات أبوها قبل بلوغها فلزمها اسم اليتم فدعيت به وهي بالغ، والعرب ربما ادعت الشيء بالاسم الأول الذي إنما سمي به لمعنى متقدم ثم ينقطع ذلك المعنى ولا يزول الاسم من ذلك أنهم يسمون الرجل المستجمع السن غلامًا وحد الغلومة ما بين أيام الصبى إلى أوقات الشباب.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال كان الغلام الذي قتله الخضر رجلًا مستجمع السن وقالت ليلى الأخيلية:
إذا ورد الحجاج أرضًا مريضة ** تتبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العقام الذي بها ** غلام إذا هز القناة سقاها

فجعلته غلامًا وهو رجل محتنك السن وكذلك مذهبهم في نسبة الشيء وإضافته إلى من كان مرة يملكه، كقولهم دار عمرو بن حُريث، وبستان ابن عامر، وقصر أوس، وقبة الحجاج. وقد يلي الرجل الإمارة والقضاء زمانًا ثم يعزل فيدعى أميرًا أو قاضيًا، ومثل هذا كثير في كلامهم. وكذلك اليتيمة المذكورة في هذا الحديث هي التي قد لزمها اسم اليتم في صغرها بموت أبيها فاشتهرت به ثم دعيت بذلك في الكبر على هذا المعنى الذي وصفناه بدليل ما تقدم ذكره من الكلام في أول الفصل والله أعلم.
وقد اختلف أهل العلم في جواز نكاح غير الأب الصغيرة، فقال الشافعي لا يزوجها غير الأب والجد، ولا يزوجها الأخ ولا العم ولا الوصي.
وقال الثوري لا يزوجها الوصي. وقال حماد بن أبي سليمان ومالك بن أنس للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ، وروي ذلك عن شريح.
وقال أصحاب الرأي لا يزوجها الوصي حتى يكون وليًا لها. وللولي أن يزوجها وإن لم يكن وصيًا إلاّ أن لها الخيار إذا بلغت.